بسم الله الرحمن الرحيم
الوِقفة الأولى :
جمال وإعجاز ومعاني الحذف والذكر ...
كثيراً ما تستوقفنا ونحن نتفكر بآيات الله كلماتٌ إعجازية حذف منها حرف ، وأخرى مثيلاً لها لم يحذف منها ..!! ونتساءل ما الفرق ؟ ولماذا ؟ ومثالاً عليها حذف ياء المتكلم ، والمتصلة بالأسماء لتدل على المتكلم المضمر المتصل ، فما سِرّر ذلك ؟ يستعمل حرف ياء المتكلم ليدلّ على المتكلم الذي تحول إليه شيء أو أضيف إليه ، فالأمور تبقى مطلقة حتى تقيّد بالتملك أو بالإضافة ، وخصت ياء المتكلم بهذا التملك لأنه الحرف الأخير الذي يدل على الاستقرار والامتداد ، وأبلغ الاستقرار أن يكون ملكاً لك وحدك ، وأصلاً الإنسان لا يملك شيئاً إلا ما تحول إليه خاصّة واستقرّ عنده ، وياء المتكلم تثبت معنى الملكية والتحول والاستقرار للمتكلم ، وحذفها يطلق قيدها ليشمل المتكلم وغيره في حالة الوقف ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة " الكافرون " ( لكُم دينُكُم وليَ دينِ ) فقد حذفت ياء المتكلم من كلمة " ديني " لأن الله تعالى طلب من رسوله الكريم أن يخبر الكافرين وقد أصروا على كفرهم بثباته واستمراره على دينه ، كما أن الدين قد اكتمل ومن أجل الكمال فاللفظة لا تحتاج إلى الياء ، فالدين عام وشامل للجميع ودعوته ص للعالم أجمع ، ولو أضيف لياء المتكلم الخاصة لكان دينه له وحده ، وهو دين شامل للجميع ، أما قول يونس عليه السلام لقومه في سورة يونس وفي الآية 104 ( قل يا أيها الناس إن كنتم في شكٍ من ديني ...) فقد ثبتت الياء في " ديني " لأن القول ردّ على الشاكّين في دين يونس في عبادة الله وحده ، وقد انتهى الشك بتحول الجزيرة إلى قلعة الإسلام ، فالمسألة في اليقين والشك وليس في الاستمرار أو الانقطاع ، وكذلك الآية 14 في سورة الزمر ( قلِ اللهَ أعبُدُ مُخْلِصَاً لَهُ دينِي ) فالمسألة في إخلاصه في عبادته ، وهي صفة خاصة لصاحبها ، ولا علاقة لها بالاستمرار في الدين أو عدمه ، وهذه أمور قد أمر الله نبيه بتبليغها في فترة الصراع مع المشركين في مكة وقد انتهى الأمر بدخول مكة كلها في الإسلام ، والأمثلة كثيرة ورائعة ، والمتأمل بتفهمه للمفردات وإعجازها ومعانيها مع الحذف أو الذكر يدرك يقيناً أنه قرآن كريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ويتذوق لفتاته وجماله ...
وأخيراً وقبل الختام لابد من لفتة نحوية في ( لكُم دينُكُم وليَ دينِ ) فكلاهما جملة اسمية كاملة الأداء والمعنى ، مكونة من خبر مقدم للأهمية ولفت الانتباه ، والمبتدأ مؤخر للاختصاص والتملك ولأنه متعين في الذهن ... أسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعاً ممن يتدبرون القرآن ويتفهمون معانيه ، ويتذوقون بلاغته ، ويحلون حلاله ويحرمون حرامه ، ويطبقون محكمه ويؤمنون بمتشابهه ... وأسأله تعالى أن يجعلنا من أهل القرآن وخاصّته ، وأن يحشرنا في زمرة الصالحين ... تقبل الله عملي وجعله صدقة جارية عني وعن والديّ ، ومن فهمه ونشره لينفع به عباد الله ...
أ / فلك العوا..
No comments:
Post a Comment