Thursday, June 3, 2021

قصه وعبرة


 
كان هناك راعي، يرعى غنما لأحد الأثرياء، ويتقاضى أجرة (يومية ) خمسة دراهم.
وفي مساء أحد الأيام، ابلغ صاحب الغنم ذلك الراعي أنه قرر بيع الغنم ومغادرة البلدة؛ وبالتالي لم تعد به حاجة لخدماته.

غير انه يمكن ان يكافئه بخمس مئة درهم، اذا شهد -زورا- ان جميع الاغنام سليمة وصغيرة السن؛ لتسهيل بيعها.
رفض الراعي شهادة الزور ؛ وأخذ أجرة يومه الاخير (الخمسة دراهم) . وقفل عائداً إلى بيته.
احتفظ بالدراهم الخمسة الاخيرة في صرة خاصة.

في هذه الاثناء كان تاجرا حاذقا أمينا في البلدة يتاجر بين البلدان ويتهيأ، لرحلة تجارة جديدة فيأتيه الناس يعطونه مالا ليتاجر به، او يوصونه على أمتعة، يقبض ثمنها سلفا ليجلبها لهم.

أقبل عليه اهل البلدة كالمعتاد.
فكر الراعي في أن يعطيه (الدراهم الخمسة)، عله يشتري له بها شيئاً ينفعه، فحضر إلى مجلسه فيمن حضر من،اصحاب الحاجات من بلدته ؛ ولما أنصرف الناس من المجلس ، أقبل عليه الراعي خجلا وأعطاه الخمسة دراهم!!!
ضحك التاجر وقال :
- ماذا سأحضر لك بخمسة دراهم؟
فأجابه الراعي: خذها معك! تاجر بها أو احضر بها أي شيء تجده ذا قيمة!!
قال التاجر:
-إنا اتعامل مع تجار كبار، لا يبيعون شيئاً بخمسة دراهم و يبيعون أشياء غالية.
غير أن الراعي أصر على التاجر ، فوافق!!
مضى التاجر بقافلته في رحلته؛ وراح يشتري ويبيع لنفسه ثم يشتري للناس طلباتهم، ولما انتهى، وراجع حساباته، لم يتبق بذمته مالا لأحد سوى الدراهم الخمسة ! فحار فيها.
ولم يجد شيئاً ذا قيمة يمكن أن يشتريه بخمسة دراهم، سوى قط شرس شره سمين،
وضع في قفص عرضه صاحبه ليتخلص منه. فاشتراه.

وفي طريق عودته، مر على قرية أراد أن تستريح فيها قافلته قليلا، ولما دخلها لاحظ شيخ القرية ومرافقيه القط في القفص، فطلب اليه أن يبيعهم إياه دون السؤال عن الثمن! واستغرب التاجر اصرارهم على شراءه، فسألهم السبب، فأخبروه بأنهم يعانون من سنوات تزايد انتشار الفئران في بلدتهم؛ التي تقضي على جل محاصيلهم الزراعية ولا يتبق الا بالكاد ما يسد رمقهم، وأنهم يبحثون عن فصيلة هذا قط تحديدا؛ يساعدهم في هذه المهمة وينجب لهم سلالة من القطط تقضي على الفئران.
تمنع التاجر قليلا عن البيع امام الحاحهم وراحوا يعرضون عليه المبلغ تلو الآخر حتى وصل المبلغ الى خمسة الاف درهم فوافق.
عاد التاجر إلى البلدة، وأستقبله الناس وأعطى لكل واحدٍ منهم أمانته، حتى جآء دور الراعي فأخذه التاجر جانباً وطلب منه أن يخبره عن سر الدراهم الخمسة؟
استغرب الراعي من طلب التاجر، ولكنه قص عليه الحكاية كاملة، عندها قام التاجر يقبل رأس الراعي وهو يبكي؛ ويقول :
بأن الله قد عوضك خيراً لأنك رضيت برزقك الحلال ولم تقبل مالا حراما مقابل شهادة زور وأعطاه كيس الخمسة الاف درهم .

العبرة:
هذا معنى الرزق الحلال
الذي يطرح الله فيه من بركاته.

من ترك شيئا من أجلي أعطيته فوق المزيد
حديث قدسي

قال الفضيلُ بنُ عياض رحمه الله : ما مِنْ ليلةٍ اختلط ظلامُها ، وأرخى اللَّيلُ سِربالَ سَترها ، إلاَّ نادى الجليلُ - جل جلاله - : مَنْ أعظمُ منِّي جوداً ، والخلائق لي عاصون ، وأنا لهم مراقبٌ ، أكلؤهم في مضاجعهم ، كأنَّهم لم يعصوني ، وأتولَّى حفظَهم ، كأنَّهم لم يُذنبوا فيما بيني وبينهم ، أجودُ بالفضل على العاصي ، وأتفضَّلُ على المسيءِ ،
مَنْ ذا الذي دعاني فلم أُلبِّه ؟
أم مَنْ ذا الذي سألني فلم أعطِه ؟
أم من الذي أناخ ببابي فنحَّيتُه ؟
أنا الفضلُ ، ومنِّي الفضل ، أنا الجوادُ ، ومنِّي الجودُ ، أنا الكريمُ ، ومنِّي الكرمُ ، ومن كرمي أنْ أغفرَ للعاصين بعد المعاصي ، ومن كرمي أنْ أُعطي العبد ما سألني ، وأُعطيه ما لم يسألني ، ومن كرمي أنْ أُعطي التَّائبَ كأنَّه لم يعصني ،
فأين عني يهرُبُ الخلائقُ ؟
وأين عن بابي يتنحَّى العاصون ؟

[خرَّجه أبو نعيم]

No comments:

Post a Comment