Tuesday, June 21, 2022

صانعة الرجال

 صانعةُ الرِّجال !

طلبَ الملكُ من صائغه أن يصنع له إكليلًا من الذهب ليُتوِّجَ به صاحب أعظم عملٍ من رعيته ... وبالفعل شرع الصائغ بما أمره الملك، وبعد أيام كان الإكليل الذهبي بين يدي عالي المقام ... عندها جاب المنادون الشوارع ينادون على قرع الطبول عن جائزة الملك لأعظم عمل في المملكة وعلى الراغبين في المنافسة المثول أمام جلالته لتقديم أعمالهم في اليوم الفلاني في باحة القصر وعلى مسمع ومشهد من الرعية أيضًا !وفي اليوم الموعود توافد الشعراء والعلماء والرسامون والحرفيون كل يدلي بدلوه ...جاء رسام وعرض لوحة فنية وخطًا بديعًا ثم عاد وجلس مكانهقام رجل يجلس بجانبه يحمل كتبًا علمية وحدَّثَ الملك عن تجاربه واختباراته، ثم عاد ليجلس مكانه ...قام رجل ثالث كان يجلس بجانبه أيضًا وألقى على مسمع الملك قصيدة رائعة، ثم عاد ليجلس مكانه...انتبه الملكُ لامرأة عجوز تجلس بجانب الثلاثة فحسبها من المشتركين في المسابقة، فقال لها : ما لديكِ لتقدميه لنا أيتها العجوز الموقرة ؟فقالت له : يا عالي المقام؛ لا شيء لديَّ أقدمه، أنا أمُّ هؤلاء الثلاثة الذين كانوا أول الماثلين بين يديك، وجئتُ أرى من منهم سيفوز بالإكليل الذهبي !عندها نهض الملك عن كرسيه وقال: لقد انتهت المسابقة، ضعوا الإكليل الذهبي على رأس صانعة الرجال !إن أرقى صناعة في الوجود هي صناعة الإنسان، الدببة تولد دببة، والأسود تولد أسودًا، والأسماك تولد أسماكًا، والطيور تولد طيورًا، ولكن البشر يولدون مادة خام قابلة لتكون إنسانًا، وأعظم فنان في الوجود هو الذي يتلقى هذه المادة الخام ويبدع فيها ليهب هذا العالم إنسانًا حقيقياً !الأب والأم الأثرياء والمثقفون الذين يصنعون إنسانًا حقيقيًا يكونون قد قاموا بعمل عظيم ورائع، ولكن الأعظم والأروع هم أولئك الفقراء والبسطاء الأميون أو يكادون، حين يهبون العالم بشرًا حقيقين، حين يخرج المهندس من بيت عامل النظافة، ويخرج الطبيب من بيت الخياط، ويخرج إمام المسجد من بيت النجار، ويخرج الكاتب وأستاذ الجامعة وصاحب الشركة ووزير الدولة من بيت الاسكافي والحداد وعامل المحطة وصاحب البقالة، فكن على يقين أنه لا أعظم من هؤلاء إلا أولئك الذين صنعوهم ليكونوا ما هم عليه !إن أحقر إنسان في الوجود هو ذلك الذي وصل لمرتبة عالية سواء في العلم أو في المركز الاجتماعي أو الثراء ويشعر في قرارة نفسه بالحرج والخجل من والديه البسيطين، بدل الخجل والحرج على هذا أن يشعر بالفخر والزهو والامتنان بوالديه فقد استطاعا تحقيق معجزة من لا شيء !أما أنتم معاشر الآباء والأمهات البسطاء ارفعوا رؤوسكم عاليًاكل جسر أنشأه ابنكما المهندس أنتما أنشأتماه قبلهوكل مريض عالجه ابنكما الطبيب أنتما عالجتماه قبلهوكل ولد ربته ابنتكما الصالحة أنتما ربيتماه قبلهاأنتم أبطال فعلًا، أبطال حقيقيون وإن لم تضعوا على رؤوسكم أكاليل الذهب !قرأت المقالة وقلت الحمد لله رب العالمينمربي عباده بالنعم واهب الارزاق والمواهب مسبب الأسبابقاضي الحاجات تذكرت النبي الرسول نوح عليه الصلاة والسلامكيف منحه الله اربع أولاد وكان الثلاث من ارتضاهم الله عبادا لهأما رابعهم أو أحدهم تمرد واختار طريق الطغيان فطغى عليه الغرق وتذكرت قوله تعالى ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعونفلا بد ان يتعرض المرء للإبتلاء بالأولاد فمنهم القانت لله البار بوالديه المتميز بحسن خلقه ويكون هو اختبارا لوالديههل سيكلفونه مالا يطيق هل سيفخرون به أمام الآخرين خاصة المحرومين هل سيشكرون الله على ماوهبهم ويعلمون ان هذا فضل وإكرام لهما من الله وحده هل سينسبون خيرته الى جهودهم المبذولة وهل سينسبون هذه النعمة الى أصولهم العريقة وتقواهم وصلاحهم والى ماهنالك من خفاء لايعلمه الا الله والجواب ماهذه النعمة عليهم إلا فتنة واختبار فإن ردوها الى الله وحده لاشريك له وتبرؤوا من حولهم وقوتهم فازوا في الاختبار والدليل على ذلك لماذا ولدهم الآخر متعبهم ومتمرد عليهم وهما في نفس الأسرة الواحدة والتربية الواحدة لأن الله هو الذي يبتلي عبده بهذا أوذاك ليرى من عبده مايصنع فإن شكر الله كما يحب ويرضى عن نعمة الولد الصالح زاده الله من فضلهوأجزل له المثوبة في الدنيا والآخرة فالمؤمن تسره حسنته ولا تغره وان صبر على الولد المريض أو العاق وعاد الى ربه مستغفرا منيبا داعيا له بالهداية والصلاح واستشعر العبد المؤمن فقره لله تعالى أثابه الله وان شاء هداه او ظل في ضلاله وان شاء عذبه وان شاء غفر له فالا مر كله لله قال تعالى إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيمفالآية الكريمة تبشر من صبر على هذا وشكر على ذاك ورد الأمر كله لله فله من الله الأجر العظيم رضاه وجنته سبحانك ربي تباركت ربي وتعالي

No comments:

Post a Comment